فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الطبري:

فإن قال قائل: وما وجه تكرار قوله: {ولله ما في السموات وما في الأرض} في آيتين، إحداهما في إثر الأخرى؟
قيل: كرّر ذلك، لاختلاف معنى الخبرين عما في السموات والأرض في الآيتين. وذلك أن الخبر عنه في إحدى الآيتين: ذكرُ حاجته إلى بارئه، وغنى بارئه عنه- وفي الأخرى: حفظ بارئه إياه، وعلمه به وتدبيره.
فإن قال: أفلا قيل: {وكان الله غنيًّا حميدًا}، وكفى بالله وكيلا؟
قيل: إن الذي في الآية التي قال فيها: {وكان الله غنيًّا حميدًا}، مما صلح أن يختم ما ختم به من وصف الله بالغنى وأنه محمود، ولم يذكر فيها ما يصلح أن يختم بوصفه معه بالحفظ والتدبير. فلذلك كرّر قوله: {ولله ما في السموات وما في الأرض}. اهـ.

.سؤال وجوابه:

فإن قيل: ما الفائدة في تكرير قوله: {وَللَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض}؟
قلنا: إنه تعالى ذكر هذه الكلمات في هذه الآية ثلاث مرات لتقرير ثلاثة أمور: فأولها: أنه تعالى قال: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلًا مّن سَعَتِهِ} [النساء: 130] والمراد منه كونه تعالى جوادًا متفضلًا، فذكر عقيبه قوله: {وَللَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} والغرض تقرير كونه واسع الجود والكرم، وثانيها: قال: {وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} والمراد منه أنه تعالى منزّه عن طاعات المطيعين وعن ذنوب المذنبين، فلا يزداد جلاله بالطاعات، ولا ينقص بالمعاصي والسيئات، فذكر عقيبه قوله: {فَإِنَّ للَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} والغرض منه تقرير كونه غنيًا لذاته عن الكل، وثالثها: قال: {وَللَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض وكفى بالله وَكِيلًا إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ الله على ذلك قَدِيرًا} والمراد منه أنه تعالى قادر على الإفناء والإيجاد، فإن عصيتموه فهو قادر على إعدامكم وإفنائكم بالكلية، وعلى أن يوجد قومًا آخرين يشتغلون بعبوديته وتعظيمه، فالغرض هاهنا تقدير كونه سبحانه وتعالى قادرًا على جميع المقدورات، وإذا كان الدليل الواحد دليلًا على مدلولات كثيرة فإنه يحسن ذكر ذلك الدليل ليستدل به على أحد تلك المدلولات، ثم يذكره مرة أخرى ليستدل به على الثاني، ثم يذكره ثالثًا ليستدل به على المدلول الثالث، وهذه الإعادة أحسن وأولى من الاكتفاء بذكر الدليل مرة واحدة، لأن عند إعادة ذكر الدليل يخطر في الذهن ما يوجب العلم بالمدلول، فكان العلم الحاصل بذلك المدلول أقوى وأجلى، فظهر أن هذا التكرير في غاية الحسن والكمال.
وأيضًا فإذا أعدته ثلاث مرات وفرعت عليه في كل مرة إثبات صفة أخرى من صفات جلال الله تنبه الذهن حينئذٍ لكون تخليق السموات والأرض دالًا على أسرار شريفة ومطالب جليلة، فعند ذلك يجتهد الإنسان في التفكر فيها والاستدلال بأحوالها وصفاتها على صفات الخالق سبحانه وتعالى، ولما كان الغرض الكلي من هذا الكتاب الكريم صرف العقول والأفهام عن الاشتغال بغير الله إلى الاستغراق في معرفة الله، وكان هذا التكرير مما يفيد حصول هذا المطلوب ويؤكده، لا جرم كان في غاية الحسن والكمال. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا}
للسائل أن يسأل عن وجه اختلاف ما أعقبت به هذه الآى الثلاث من أوصافه العلية سبحانه وتعالى: {وكان الله واسعا حكيما} وفى الثانية: {وكان الله غنيا حميدا} وفى الثالثة: {وكفى بالله وكيلا} يسأل عن ذلك وعن تكرار إخباره تعالى وقوله: {ولله ما في السماوات وما في الأرض} ثلاث مرات مع تقارب الكلام واتصاله.
والجواب عن الأول: إنه لما قال سبحانه في الزوجين عند عدم انقيادهما لحسن المعاشرة: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} قال الزمخشرى: «يرزقه زوجا خيرا من زوجته وعيشا أهنأ من عيشه» ولما قال: {يغن الله كلا من سعته} ناسب هذا ذكر ما يقتضى من صفاته عموم وجوه الإحسان وأنه لا نفاد لما عنده مما به قوام عيشهم وكمال حال كل واحد منهم من الرزق والسكن والتأنيس وأنه سبحانه المنفرد بعلم وجه الحكمة في تآلفهم فقال: {وكان الله واسعا حكيما} أي كثير العطاء جم الإحسان عليم بخفيات مصالح العباد فقوله: {وكان الله واسعا حكيما} عقب ما تقدمه من قوله: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} أوضح شيء في المناسبة ثم اتبع بما يلائم ذلك ويزيده وضوحا من إخباره تعالى من أن السماوات والأرض وما فيهما ملكه تعالى فقال: {ولله ما في السماوات وما في الأرض} ثم أتبع سبحانه أنه بما يرجع إلى عموم إحسانه إلى من تقدم من المخاطبين بكتبه المنزلة رحمة لعباده وإحسانه كما أحسن إلى المواجهين بهذا الكتاب والمهيمن من على هذه الخطاب فقال: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} وأعلم سبحانه أنه محسن اليهم لأن تقواهم إياه تعالى مثمرة لهم السلامة من عذابه والنجاة من أليم عقابه وأنه ليس به إلى تقواهم من حاجة ولا يعود إليه سبحانه من كل ذلك منفعة إذ هو الغنى عنهم وعن عبادتهم فقال: {وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض} فهو الغنى عنكم وعن عبادتكم كما قال تعالى في آية أخرى: {وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جمبعا فإن الله لغنى حميد} وقال تعالى: {فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غنى حميد} وإذا كان الكل ممن في السماوات والأرض ملكا له سبحانه وتحت قهره وفى قبضته يفعل فيهم ما يشاء ولا يكون منهم إلا ما يشاؤه ويريده وهو الغنى الحميد ثم أكده بقوله: {ولله ما في السماوات وما في الأرض} لما بنى عليه من قوله: {وكفى بالله وكيلا} أي حافظا لجميع ذلك منفردا بتدبيره وإمساك السماوات والأرض ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده فختام الآية بهذه الصفة من أنسب شيء وأبينه والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132)}
قَطَعَ الأسرار عن التَّعلُّق بالأغيار بأن عرَّفهم انفراده بمُلْكِ ما في السموات والأرض، ثم أطمعهم في حسن تولِّيه، وقيامه بما يحتاجون إليه بجميل اللطف وحسن الكفاية بقوله: {وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا} يصلح يملك حالك ولا يختزل مالك. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}
ومجيء المقولة لثالث مرة لطمأنة الإنسان أن الله يضمن ويحفظ مقومات الحياة. فلن تتمردالشمس يومًا ولا تشرق. أو يتمرد الهواء ولا يهب. أو تضن الأرض عليك عناصرها؛ لأن كل هذه الأمور مسخّرة بأمر الله الذي خلقك وقد خلقها وقدّر فيها قوتك.
ولذلك يوضح ربنا: أنا الوكيل الذي أكلفكم وأكفيكم وأغنيكم عن كل وكيل.
والوكيل هو الذي يقوم لك بمهامك وتجلس أنت مرتاح البال. والإنسان منا عندما يوكل عنه وكيلًا ليقوم ببعض الأعمال يحسّ بالسعادة على الرغم من أن هذا الوكيل الذي من البشر قد يُخطئ أو يضطرب أو يخون أو يفقد حكمته أو يرتشي، لكن الحق بكامل قدرته يطمئن العبد أنه الوكيل القادر، فلتطمئن إلى أن مقومات وجودك ثابتة؛ فسبحانه مالك الشمس فلن تخرج عن تسخيرها، ومالك المياه ومالك الريح ومالك عناصر الأرض كلها. ومادام الله هو المليك فهو الحفيظ على كل هذه الأشياء. وهو نعم الوكيل؛ لأنه وكيل قادر وليس له مصلحة.
وتعالوا نقرأ هذا الحديث: فقد ورد أن أعرابيا جاء فأناخ راحلته ثم عقلها ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- أتى راحلته فأطلق عقالها ثم ركبها ثم نادى اللّهم ارحمني ومحمدًا ولا تشرك في رحمتنا أحدًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتقولون هذا أضل أم بعيره ألم تسمعوا ما قال؟» قالوا: بلى، قال: «لقد حَظرت رحمة واسعة. إن الله- عز وجل- خلق مائة رحمة فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جِنّها وإِنْسها وبهائمها وأَخَّر عنده تسعًا وتسعين رحمة أتقولون هو أضل أم بعيره».
هو إذن كفى بالله وكيلًا وهو نعم الوكيل، وهو يطمئن عباده ويببن أنه سبحانه هو القيوم، وتعني المبالغة في القيام، إذن كل شيء في الكون يحتاج إلى قائم؛ لذلك فهو قيوم. ويوضح الحق لكل إنسان: أَنِ اجتهد في العمل وبعد أن تتعب نم ملء جفونك؛ لأني أنا الحق لا تأخذني سنة ولا نوم. فهل هناك وكيل أفضل من هذا؟.
{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}.
ثم يأتي الحق بحيثية أخرى تؤكد لنا أنه غني عن العالمين، فلا يكفي أن يقول: إنه غني وإنه خلق كل ما في السموات وما في الأرض، وإن كفرت أيها الإنسان فالذنب عليك، وإن آمنت فالإيمان أمان لك، وأوضح: إياكم أيها البشر أن تعتقدوا أنكم خُلِقْتُم وشردتم وأصبحتم لا سلطان لله عليكم. لا. فالله سبحانه يقول: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ...} اهـ.

.تفسير الآية رقم (133):

قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تقرر بهذا شمول علم من هذا من شأنه وتمام قدرته أنتج قوله مهددًا مخوفًا مرهبًا: {إن يشأ يذهبكم} وصرح بالعموم إشارة إلى عموم الإرسال بقوله: {أيها الناس} أي المتفرعون من تلك النفس الواحدة كافة لغناه عنكم وقدرته على ما يريد منكم {ويأت بآخرين} أي من غيركم يوالونه {وكان الله} أي الواحد الذي لا شريك له أزلًا وأبدًا {على ذلك} أي الأمر العظيم من الإيجاد والإعدام {قديرًا} أي بالغ القدرة، وهذا غاية البيان لغناه وكونه حميدًا وقاهرًا وشديدًا، وإذا تأملت ختام قوله تعالى في قصة عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر هذه السورة: {سبحانه أن يكون له ولد} [النساء: 171] زاد ذلك هذا السر- وهو كونه لا اعتراض عليه- وضوحًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} يعني بالموت {أَيُّهَا الناس}.
يريد المشركين والمنافقين.
{وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} يعني بغيركم.
ولما نزلت هذه الآية ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهر سلمان وقال: «هم قوم هذا» وقيل: الآية عامة، أي وإن تكفروا يذهبكم ويأت بخلق أطوع لله منكم.
وهذا كما قال في آية أُخرى: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم} [محمد: 38].
وفي الآية تخويف وتنبيه لجميع من كانت له ولاية وإمارة ورياسة فلا يعدل في رعيته، أو كان عالمًا فلا يعمل بعلمه ولا ينصح الناس، أن يُذهبه ويأتيَ بغيره.
{وَكَانَ الله على ذلك قَدِيرًا}، والقُدْرَة: صِفَة أزليَّة لا تَتَنَاهَى مَقْدُوراته، كما لا تتناهى مَعْلُومَاته، والمَاضِي والمُسْتقبل في صِفَاتِه بمعنًى واحدٍ، وإنما خصَّ الماضِي بالذكر؛ لئلا يُتوهَّم أنَّه يحدث في صِفَاتِه وذاته، والقُدْرَة: هي التي يكُون بها الفِعْل، ولا يجوزُ وُجُود العَجْزِ مَعها. اهـ.